[align=center]
حاتم الطائي سيد من سادات طيء، وشاعر من شعراء الجاهلية، ويعتبر كذلك فارساً من أكبر فرسانها. كان رجلاً يكتنفه الشرف وتسمه الشجاعة وعفة النفس وكرم الأخلاق. كما اتصف بالروح النبيلة والعاطفة الإنسانية. يتزين بالسخاء والجود وحب الضيافة بأسمى زينة ولم يكن همه إلا إكرام الضيف.. ينحر لهم الأغنام ويجود عليهم، ويرفه عن المرملين، وينقذ الأسرى.
وكان الكرم طبعاً فيه وغريزة متمكنة، ولم يضرب به المثل في الكرم عن عبث.
ويستدل من أخباره أنه اكتسب الكرم من أمه وأخذه عنها.. إذ قيل أنها كانت في الجود كابنها لا تدخر شيئاً ولا يسألها أحد شيئاً فتمنعه.. ويروى عنها انهم وهبوها قطعة من الإبل، فجاءتها امرأة من هوازن، كانت تأتيها في كل سنة تسألها، فقالت لها: دونك هذه القطعة من الإبل فخذيها، فوالله لقد عضني من الجوع، ما لا أمنع معه سائلاً أبداً، ثم أنشدت تقول:
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لعمري، لقد ما عضني الجوع عضة=فآليـت ألا امنـعُ، الدهـرَ، جائعـاً
فقـولا لهـذا اللائمـي: اعفـنـي=فإن أنت لم تفعل، فعض الأصابعـا
فماذا عساكـم أن تقولـوا لأختكـمُ=سوى عذلكم، أو عذل من كان مانعا؟
ومـاذا تـرونَ اليـوم إلا طبيعـة=فكيف بتركي، يا ابـن أمّ الطبائعـا؟ [/poem]
ولم تتوقف جرثومة الكرم عند حاتم، ولكنها تعدته وتناولت ابنته سفانة، ويقال أنها كانت من اجود نساء العرب… ذكر ابن الكلبي أن أباها كان يعطيها الصرمة (أي القطعة من الإبل) بعد الصرمة من إبله ولكنها لم تكن لتحتفظ بها بل تهبها للناس.. وذات يوم استدعاها وقال لها: يا بنية، أن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه.. فإما أن أعطي وتمسكي، أو امسك وتعطي، فإنه لا يبقى على هذا شيء.. فأجابته: والله لا أمسك أبداً! قال: وأنا لا أمسك. قالت: لا نتجاور فقاسمها ماله وتباينا.
روى ابن الأعرابي عن مولد حاتم أسطورة قال فيها:
أن أم حاتم أتيت، وهي حبلى، في المنام، فقيل لها: أغلام سمح يقال له حاتم أحب إليك أم عشرة غلمة كالناس، ليوث ساعة البأس، ليسوا بأوغال (ضعفاء أدنياء) ولا أنكاس (جبناء)؟ فقالت: حاتم، فولدت حاتماً، وليس اختيارها لحاتم إلا تلبية لطبع الكرم فيها.
ولد حاتم في قبيلة طيء، وهو ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج، أحد سادات قبيلته، وأمه عتبة بنت عفيف... وكانت كنيته تعرف بأبي سفانة أي اللؤلؤة.. وسفانة هي أكبر ولده، كما كني بأبي عدي.
توفي والده وهو لا يزال صغيراً فعاش في حجر جده سعد بن الحشرج ولم يكن هذا الأخير
ليستطيع أن يتحمل إسراف حفيده، وجنونه في الجود والكرم. قيل أنه لما ترعرع جعل يخرج طعامه، فإن وجد من يأكله معه أكل، وإن لم يجد طرحه.. وعندما رأى جده أنه يهلك طعامه قال له: إلحق بالإبل! فخرج إليها، ووهب له جارية وفرساً وفلوها..
فلما أتى الإبل طفق يبغي الناس. وإذا به يلتقي ذات يوم بقوم فأتاهم فسألوه: يا فتى! هل من قرى؟ فقال: تسألوني عن قرى، وقد ترون الإبل؟ ويقال أن الذين التقاهم كانوا ثلاثة هم: عبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبياني، وكانوا يبغون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما أردنا بالقرى اللبن، وكانت تكفينا بكر’، إذا كنت لا بد متكلفاً لنا شيئاً. فقال حاتم: قد عرفت، ولكنني رأيت وجوهاً مختلفة وألواناً متفرقة..
فامتدحوه وشكروه وذكروا فعاله، وهنا قل لهم حاتم: أردت أن احسن إليكم، فكان لكم الفضل عليّ، وأنا أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها، أو تقدموا إليها فتقتسموها.. ففعلوا.
وما أن سمع جده بما حدث حتى جاءه يقول: أين الإبل؟ فقال له حاتم طوقتك بها طوق الحمامة، مجد الدهر وكرماً لا يزال الرجل يحمل بيت شعر أثني به علينا عوضاً من إبلك. اغتاظ الجد وقال: والله لا أساكنك أبداً.. فخرج بأهله وترك حاتماً، ومعه جاريته وفرسها وفلوها.
كان حاتم شاعراً بالإضافة إلى كونه كريماً جواداً.
كان شعره شخصياً.. ينطق بشخصية صاحبه على اختلاف مزاياها.. كما كان فارساً من أشجع الفرسان وأقواها.. ولعل أجمل وصف نستطيع أن نعطيه إياه هو ما قاله ابن الأعرابي: " كان حاتم من شعراء العرب، وكان جواداً يشبه شعره جوده، ويصدق قوله فعله، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان مظفراً، إذا قاتل غلب، وإذا غنم انهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقدح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق، وكان يقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه، وكان إذا أهل شهر الأصم، الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية، ينحر كل يوم عشرة من الإبل، فأطعم الناس واجتمعوا إليه.
كان موفور الحظ، يأتيه رزقه أحياناً، وهو نائم، وهو لا يدري من أين؟ وهذه هي أسطورة يرويها يعقوب بن السكيت فيقول: فبينما حاتم، بعد أن انهب ماله، وهو نائم، إذا تشابه وحوله مائتا بعير، أو نحوها، تجول وتحطم بعضها بعضاً، فساقها إلى قومه، فقالوا: يا حاتم! ابقِ على نفسك، فقد رزقت مالاً، ولا تعودن إلى ما كنت عليه من الإسراف قال: فأنها نهبي بينكم، فانتهبت، فأنشأ حاتم يقول:
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تداركني جدي، بسفح متالعٍ،=فلا ييأسنْ ذو نوفةٍ أن يغنما[/poem]
وهكذا نرى أن حاتم ظل على حاله من الجود والكرم حتى نهاية حياته.
وهذه أسطورة جديدة عن جوده، اخترعوها بعد موته فقالوا: كان رجل يقال له أبو الخيبري، مر في نفر من قومه بقبر حاتم، وحوله أنصاب متقابلات من حجارة كأنهن نساء نوائح، فنزلوا به فبات أبو الخيبري ليلته كلها ينادي: أبا جعفر اقرِ أضيافك، فيقال له: مهلاً! ما تكلم من رمة بالية. فقال: إن طيئاً يزعمون أنه لم ينزل به أحد إلا قراه… فلما كان آخر الليل نام أبو الخيبري، حتى إذا كان في السحر، وثب، فجعل يصيح: واراحلتاه! فقال له أصحابه: ويلك مالك؟ قال: خرج والله حاتم بالسيف وأنا أنظر إليه حتى عقر ناقتي، قالوا: كذبت. قال: بلى، فنظروا إلى راحلته فإذا هي منخزلة لا تنبعث، فقالوا: قد والله قراك، فظلوا يأكلون من لحمها ثم أردفوه، فانطلقوا، فساروا ما شاء الله.. ثم نظروا إلى راكب، فإذا هو عدي بن حاتم راكباً قارناً جملاً أسود فلحقهم فقال: أيكم أبو الخيبري فقالوا هو هذا. فقال: جاءني أبي في النوم فذكر لي شتمك إياه وأنه قرى راحلتك لأصحابك، وقد قال في ذلك أبياتاً ورددها حتى حفظتها وهي:
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أبا الخيبري، وأنت امرؤٌ=حسود العشيرةِ، شتامهـا
فماذا أردت إلى رمـةٍ،=بدويةٍ، صخـب هامهـا
تبغي أذاها وإعسارهـا=وحولك غوثْ، وأنعامها
وإنـا لنطعـم أضيافنـا=من الكوم بالسيف نعتامها [/poem]
وصية حاتم:
ويروى عن أبي صالح: أن حاتماً أوصى عند موته فقال: إني أعهدكم من نفسي بثلاث: ما خاتلت جارة لي قط أراودها عن نفسها. ولا اؤتمنت على أمانة إلا قضيتها. ولا أتى أحد من قبلي بسوءة أو قال بسوء.
وكان حاتم رجلاً طويل الصمت، وكان يقول: إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه.
.
.
.
.
((أعزائي الكرام من أجل الوصول الى تنسيق اكثر جمالا للموضوع الرجاء تأجيل الرد الى ان ينتهي هذا الموضوع))
ودمتم
.[/align]
المفضلات