قال الله تعالى: "نور على نوريهدي الله لنوره من يشاء" سورة النور. إذا حل نورالله في قلب المؤمن، واستنار بالإيمان بالله، ومعرفةالله، ومحبةالله وذكرالله، فذاك هو القلب الذي ينبض بالحياة، قال الله عزوجل:"أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" سورة الأنعام.
فقلب المؤمن الذي هداه الله بنور فطرته التي فطره الله عليها ليس كقلب الغافل البعيد عن الحق، الهائم في الظلمات وليس بخارج منها، إنالله عز وجل خلق الإنسان علىالفطرة، قال الله تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" سورة الروم،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: "كل مولوديولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
وصفاء الفطرة نور في القلب الحي الواعي المجاهد، فطالب الهداية يتحتم عليه الجهاد وقد جعل الله للهداية شرطا هو الجهادقال الله تعالى:"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" وأكمل الناس هداية أقواهم جهادا، جهاد النفس، وجهادالشيطان وجهاد الدنيا، وجهاد الهوى: فمن جاهد كل هذه في الله يسرالله له سبل الهداية وجعل له نورا يمشي به في الناس، قال الجنيد رحمه الله مفسرا:
"والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الإخلاص"، ومن عطل هذه الأنواع منالجهاد، سد دونه باب الهداية، وأصبح النور لا يجد منفذا إلى القلب المظلم الغافل عنذكرالله ومحبةالله ومعرفة الله، قال عز وجل: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" والقلب محل التلقي القابل لاستقبالنورالله، وهو شهيد حاضرغير غافل ولا غائب، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة حتى يكتب من المقربين والمحبوبين عندالله ومن أوليائه تعالى. جاءفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىالله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذييبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذبي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأناأكره مساءته" وهذا لفظ البخاري.
وبنور الطاعات والعبادات يتطهر القلب من أدران الشهوات، وحب الدنيا وبالمداومة على الذكر يتنبه القلب النائم أن مآله الخسران والحسرة، أما القلب الحي الدائم الذكر، الكثير السجود، فيكون أقرب إلى الله تعالى وأحب إليه.
والفطرة الطاهرة النظيفة متأصلة في الإنسان، ومولودة معه، فإذا اجتمع للمؤمن نور الفطرة ونور الوحي، نور على نور، أصبح يدرك بالإلهام الإلهي الحق، قال ابن القيم الجوزية: "وهكذا المؤمن مضيء يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله، ولكن لأمارة له من نفسه، فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه وخالطت بشاشته فازداد نورا بالوحي على نورهالذي فطره الله عليه،فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة نور على نور، فيكاد ينطق بالحق وإن لم يسمعفيها أثرا، ثم يسمع الأثر مطابقا لما شهدت به فطرته مجملا، ثم يسمع الأثر جاء بهم فصلا فينشأ إيمانه عن شهادة الوحي والفطرة" الوابل الصيب ص49.
والأعمال تعبيرصادق للباطن، أما أن تعبر عن الفطرة بطاعة الله والوقوف عند حدوده،والقيام بأوامره وفرائضه، وأما أن تعبر عن الفسق والانحراف عن الدين، لأن الإنسان مجبول على شيئين اثنين لا ثالث لهما مجبول على دوافع الخير، ومجبول على نوازع الشرليس إلا.
فالاتجاهات شتى والطرق مختلفة، ولكنها تؤدي إلى أمرين اثنين مع تشعبهاواختلاف مسالكها توصل إلى الخير أو الشر، فطرق الخير والهداية والسعادة والإيمان كثيرة ومتنوعة، وطرق الشيطان والغنى والضلال أيضا متفرعة عن بعضها .
المفضلات